Mr-Mehdi Admin
عدد المساهمات : 82 تاريخ التسجيل : 11/06/2010 العمر : 32
| موضوع: التحليل النفسي لأصحاب الرسوم المسيئة الجمعة يونيو 11, 2010 7:33 pm | |
| أثار موضوع نشر الرسوم المسيئة للرسول الكريم في عدد من الصحف والمجلات الأوروبية طوفانًا من الغضب والاشمئزاز بين ملايين المسلمين، وقد بدأت هذه الحملة العدائية في صحيفة مجهولة في الدنمارك، ثم أعيد النشر، بل وأضيفت رسوم أخرى بذيئة في صحف النرويج والنمسا وفرنسا وألمانيا، وأيضًا في عدد غير قليل من مواقع الإنترنت الأوروبية.
إن أكذوبة حرية التعبير كشفتها هذه الدراسة لتحليل رسوم هؤلاء الرسامين والتي يظهر ضعف مستواها الفني أيضًا وركاكتها من اللمحة الأولى، وأنها نتاج مجموعة من الهواة الذين أسقطوا انفعالات مريضة وأفكارًا مشوّهة يمكن تصنيف الكثير منها تحت ما يسمى بالأدب المكشوف أو التصوير الفاضح الذي يصنف ضمن الاضطرابات النفسية التي تصل في بعض الحالات إلى حد كتابة ألفاظ نابية بذيئة على الحوائط في الخفاء تعبيرًا لاشعوريًّا عن الانحراف النفسي والجنسي، ويشعر هؤلاء بنشوة ولذة عندما يرى الآخرين هذه الرسوم والتعليقات النابية البذيئة أو الرسوم المستفزة المثيرة..
ورغم أنني طبيب فإنني أهتم بتحليل الشخصية ودراستها وعلاج مشكلاتها ليس بالدواء فقط، بل بكل وسائل التشخيص والعلاج النفسية من خلال كل وسائل التعبير اللفظية وغير اللفظية خاصة الرسوم، ولقد تضمنت رسالتي في الماجستير ودكتوراه الطب النفسي فصولاً في تحليل واستخدام تلك الرسوم والصور كأساليب مساعدة في التشخيص والعلاج، وعندما أثير موضوع هذه الصور البذيئة قررت إجراء هذه الدراسة التحليلية؛ لكشف دوافع وتفسير دلالات ما جاء في هذه الرسوم، ولقد أدهشني ما توصلت إليه من نتائج بوجود دلالات لنزعات عدوانية وتعصب وإسقاطات جنسية تصل إلى حد الانشغال الزائد بالجنس، بل وإلى حد الهوس الجنسي في بعض تلك الرسوم، كذلك اكتشفت وجود دلالات تشير إلى الاغتراب وأخطاء في التفكير والاعتقاد كالمبالغة والتعميم والتصلب والجمود، وغيرها...
وأعتقد أن هذه الدراسة هي رد مناسب بمنهج ولغة الغرب، حيث إن الاحتجاج والغضب لا يكفي لمخاطبة العقل الغربي، بل لا بد من أبحاث ودراسات منضبطة وفق منهج علمي متطور يكشف العلل ويشخص الداء ويصف العلاج والدواء، كما يجب علينا التعريف العلمي بالإعجاز السلوكي الذي قدمه الرسول صلى الله عليه وسلم للبشرية نصوصًا وتطبيقات عملية تتفق مع أحدث معطيات أبحاث علم النفس السلوكي وأساليب تعديل التفكير والسلوك؛ وهي دراسة أخرى نشرتها منذ عدة سنوات ونوقشت في مؤتمرات علمية متعددة.
"الإسلاموكوست".. محرقة مشاعر المسلمين
هذا المصطلح لم أقرأ عنه من قبل وقد استخدمته في دراستي هذه لأول مرة -على مسئوليتي-؛ لأنني أعتقد أنه أفضل مصطلح يعبر عن حرق وكيّ مشاعر المسلمين بهذه الرسوم المسيئة للرسول، وبهذه الدرجة من الانتشار الوبائي التي تشير إلى انتقال الغرب من مرحلة الإسلاموفوبيا والتي تعني الخوف من الإسلام إلى الإسلاموكوست Islamocaust والتي تعني كيّ وحرق مشاعر المسلمين بهذه الحملة من الاستهزاء والسخرية والإهانة لأسمى رموز الإسلام وإلى رسول رب العالمين، وما يزيد من شدة وضراوة الألم أنه لم يصدر من المسلمين ما يشوّه أو يسخر من أي عقيدة أو ديانة أو أي رسول من الرسل!!
ورغم ذلك فيجب ألا نقع في خطأ التعميم؛ لأننا ندرك أن الغرب فيه من يدرك سخافة وتفاهة ما حدث ويعارضه، ولكن في جميع الحالات تقع علينا مسئولية توصيل معلومات موضوعية تساعد على تصحيح صورة الإسلام الناتجة عن نقص المعلومات الصحيحة عن الرسول الكريم ورسالته السامية.
ولقد أكدت بحوث التعصب في أمريكا وأوروبا أن الاتجاهات العقلية السلبية والعدوانية والتصلب ضد الأقليات (والزنوج في أمريكا تحديدًا) تقلّ كلما ازدادت المعلومات الموضوعية عن تلك الأقليات وسلوكياتها وعاداتها ومساهمتها في بناء الحضارة الإنسانية.
دلالات العدوانية والتعصب
الكاريكاتير أحد أنواع الرسم الحديث التي تعتمد على التحريف والمبالغة المقصودة للتعبير عن الأفكار والمفاهيم، وكذلك عن الدوافع والصراعات اللاشعورية؛ وهذه المبالغة هي التي تؤثر في المشاهد وتحرك خياله، وتعطي للفكرة قوة تأثير عالية وتبرز المعاني وتغرسها في ذهن الفرد.
وقد وجدت الكثير من دلالات العدوانية والتعصب عند تحليل هذه الرسومات المسيئة، وسأكتفي بالإشارة إلى بعضها كنماذج في هذا المقال لضيق المساحة، فعلى سبيل المثال أظهرت كثير من هذه الرسوم المبالغة في حجم الرأس وتأكيد ملامح الوجه بصورة قبيحة، ويعتبر هذا دلالة اهتمام الرسام بالمظاهر الخارجية وانعكاس لعدوان مكبوت يصاحبه في نفس الوقت اعتراف لاشعوري بقوة الشخص المرسوم ومكانته.
ظهر في رسوم أخرى عدم وجود الفم مطلقًا رغم وجود باقي ملامح الوجه، ويعتبر ذلك من الدلالات اللاشعورية على ميل الرسام لرفض الاستماع للآخر ربما هربًا أو خوفًا من قوة الحجة، والاستمرار في إنكار الحقيقة التي جاء بها الرسول كما قد تشير إلى العدوان السلبي بالترك؛ وقد يكون دلالة أيضًا على تضخم الذات ورفض التواصل مع الآخر.
وفى أكثر من رسم أظهر الرسام الفم بخطوط بيضاوية أو منحنية مع إبراز الأسنان وتأكيدها، مما يعتبر دلالة على الميول السادية والنزعات العدوانية للرسام أيضًا، وفي رسوم أخرى تم رسم الفم بشفاه سميكة غليظة، مما يعتبر إسقاطًا لخبرات جنسية فمية للقائم بالرسم، ويؤكد ذلك أن بقية الملامح في تلك الرسوم لا تتسق مع هذه الشفاه الغليظة.
لقد رسم هؤلاء الرسامون أنفسهم وأسقطوا على الرسوم خبايا نفوسهم المريضة، وليتهم قرءوا عن جمال وجهه الشريف وطهارة سلوكه العفيف.
الإعجاز السلوكي للرسول
إن الرسول الكريم الذي أساءوا إليه هو الذي أستطاع أن يعدل ويغير في السلوكيات والعادات السلبية الهدامة لمجتمع بأكمله خلال عدد محدود وقياسي من السنوات.. وهذه التغيرات ظلت ثابتة وباقية ومغروسة بعمق في عقل ووجدان الناس؛ لذلك كانت بحق أكبر عملية تعديل للسلوك والعادات في تاريخ البشرية، وهو ما عجزت عنه كافة الثورات والانقلابات، بل وجميع أساليب العلاج العلمية المعاصرة والمتقدمة في مجال السلوك الإنساني..
ولقد حيرني كثيرًا لماذا لم نستفد من هذا المنهج وندرسه ونقارنه بمعطيات العلوم السلوكية والنفسية وأبحاث الأنثروبولوجيا والتربية والاجتماع الحديثة؟!.. ولماذا تركزت دراسات الإعجاز العلمي في القرآن والسنة فقط على ما ورد في أبحاث ودراسات العلوم الطبيعية.. مثل الفلك والفيزياء وعلوم الفضاء وغيرها؟! وأهملنا السلوك الإنساني والعادات التي كانت محور اهتمام الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم والتي ستظل معجزة الإسلام في حياة البشر.
لقد استطاع الرسول صلى الله عليه وسلم تحويل القبائل المتناحرة والجماعات الغوغائية التي تغير على بعضها البعض، وتستحل الدم والحرمات وتتفاخر بعدوانها واغتصابها للحقوق.. إلى جماعات متضافرة تلتقي حول أهداف سامية ويحكم علاقاتها نظم وقواعد راقية ومشاعر الحب والعطف والإحسان!. واستطاع أن يعدل في سلوكيات أفراد المجتمع وعاداتهم! وغرس فيهم الحب والتعاطف والرفق والرحمة!، كما استطاع أن يعالج مشكلات ما زالت تزلزل العديد من المجتمعات المتقدمة، مثل إدمان الخمر والقمار والانحرافات الجنسية وغيرها بصورة جماعية فريدة.
الرسول والريادة في تعديل السلوك
لقد استخدم الرسول صلى الله عليه وسلم عدة طرق يمكننا الاقتداء بها والاستفادة منها في هذا العصر للتعامل مع الآخرين؛ لتقويم وتعديل سلوكهم ومساعدتهم على التخلص من العادات السلبية الهدامة.. ولقد وجدت أن كل هذه الطرق والأساليب التي اتبعها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم تتفق مع أحدث الدراسات والأبحاث العلمية في هذا المجال الحيوي الهام.
أحد هذه الطرق هو أسلوب عرض النماذج السلوكية التطبيقية -النمذجة- في مواقف حية Overt modeling والتي تمثل أفضل أساليب التعلم وأكثرها تأثيرًا، كما قدم بيانات عملية لتعديل السلوك وعلاج المشكلات وأسلوب التعامل الصحيح في كل موقف من المواقف المختلفة، كما استعان بالتصوير والتجسيد وتنشيط المخيلة والقدرة على التوقع والتصور، واستخدم القصص والأمثال وتجسيد المشاهد وتقديم البيانات اللفظية والعملية؛ ليشرح المواقف التعليمية التي تسهل عمليات التعلم وتساعد الإنسان على تغيير تصرفاته بالتدريج. ولقد أتاح ذلك للمسلمين التعلم بالملاحظة والمحاكاة وغيرها والتي تعتبر من أساليب التعلم وتعديل السلوك الفعّالة والتي وردت في دراسات العديد من العلماء المعاصرين، وفي أبحاث أصحاب نظرية التعلم الاجتماعي Social ( observational ) learning ودراسات علوم النفس والسلوك وبيولوجيا الجهاز العصبي في الإنسان.
هذا جانب بسيط ولمحات سريعة من حياة الرسول الكريم لم يدركها كل من أقدم على هذا العمل الشائن، وسنوالي النشر عن هذه الدراسات تباعًا؛ وهذا هو جزء من الرد الذي نعتبره فريضة علينا جميعا، مصداقًا لقوله تعالى: "إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ الله".
--------------------------------------------------------------------------------
استشاري الطب النفسي كلية الطب جامعة الأزهر، رئيس وحدة مستشفى الطب النفسي - الكويت. | |
|